الإصحاح السادس
هنا نري
سيامة إشعياء كبني وإرساليته، بأن رأي الله وغفر الله له. وهذه الرؤيا كانت غالباً
قبل النبوات السابقة أي في أول خدمته ويذكرها هنا غالباً ليثبت صدق نبواته السابقة،
وهو لم يذكرها سابقاً لتواضعه فنحن نلمس طاعة إشعياء وتواضعه ورقة قلبه. وربما لم
يذكرها لأنه خاف أن ينفروا منه ويتشككوا فيه. ولعل إشعياء في أحزانه بخصوص عزيا
الملك المعزول الأبرص والذي مات يريه الله هذه الرؤيا لله الذي لا يموت.
آية (1)
في سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد جالسا على كرسي عالٍ و مرتفع و أذياله تملا
الهيكل.
رأيت
السيد = هو المسيح قبل التجسد فالله لم يره أحد قط (يو 1 : 18) وهذا ما نسميه
ظهور للمسيح. لكن إشعياء لم يري مجد لاهوت الله، فهذا لا يراه أحد ويعيش. كرسي
عالٍ = إشعياء رأي المسيح علي عرشه فهو الملك الحقيقي لشعبه. والجلوس رمز
للاستقرار فهو الملك العظيم الذي لا يتزعزع ملكه أبداً وهو عالٍ فالرب عال ومرتفع
وأفكاره تعلو علي أفكار البشر، وهو مرتفع فوق السموات.
وأذياله
تملأ الهيكل = ربما
تشير هذه إلي هيبته ورهبته التي ملأت المكان وقد يكون إشعياء في ذلك الوقت داخل
الهيكل يصلي لما رأي هذه الرؤيا. ولكن إذا رجعنا إلي (را 3 :9) نري أن بسط ذيل
الثوب من بوعز علي راعوث تعني أنه سيحميها وأنه هو وليها. وتكون رؤيا إشعياء هنا
تشير لأن الله قبل شعبه كعروس له تتحد معه يحميها ويرعاها ويفديها كولي. ونلاحظ أنه
طالما كان مجد الله في هيكله لا يستطيع إنسان أن يعتدي عليه ولكن إن فارق مجد الله
هيكله (حز 10 : 4 + 10 : 18، 19 + 11 : 22، 23) داسه البابليون.
آية (2)
السرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة باثنين يغطي وجهه و باثنين يغطي رجليه و
باثنين يطير.
السرافيم = معناها
المتوهجون الذين منظرهم ساطع كلهيب النار، هم الملائكة المشتعلون حبا، وهم
واقفون للتسبيح فهذا هو عملهم وهذا سيكون عملنا في السماء. الله جالس أما هم
فوقوف مستعدين للخدمة. وهذه الأجنحة رمزية فمعني يغطي وجهه = أنه لا يحتمل
نور وعظمة مجد الله ولا يدرك كل البهاء الإلهي. ويغطي رجليه = تشير للخشوع
والاحترام والحياء. ويطير = هذه تشير لإستعدادهم لأداء أي خدمة
سريعاً.
آية (3) و
هذا نادى ذاك و قال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض.
الثلاث
تقديسات تشير للثالوث الأقدس وقارن مع آية (8) أيضا.
كل
الأرض = وليس إسرائيل فقط، رب الجنود = أي السمائيين والأرضيين
ونلاحظ أن لفظ رب جاء بالجمع في إشارة للثالوث.
آية (4)
فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ و امتلأ البيت دخانا.
اهتزت
أساسات العتب = من سمو
مجد الله. والدخان = انفصال كحجاب بين الله والبشر، فلا يوجد إنسان يحتمل أن
يري مجد الله. فلكي يعيش إشعياء كان هذا الدخان، كالسحاب يحجب نور الشمس فنستطيع أن
ننظر إليها، أما الذي ينظر بلا سحاب فسيصاب العمى.
آية (5)
فقلت ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين و أنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لان
عيني قد رأتا الملك رب الجنود.
حينما رأي
النبي الله في قداسته أدرك مدي نجاسته، كذلك نحن حين نتلامس مع الله ندرك مدي بشاعة
خطايانا، أما الذي لا يتقابل مع الله فيظن في نفسه أنه قديس لذلك صرخ بولس الرسول
قائلاً "الخطاة الذين أولهم أنا" ونلاحظ أن النبي أعترف بخطيبته أولاً ثم بخطية
الشعب كله، وهذا فعله دانيال. نجس الشفتين = ربما أراد إشعياء أن يشترك مع
السيرافيم في التسبيح فأدرك عدم استحقاقه، وكلما ازدادت الاستنارة الداخلية بالروح
القدس ندرك عدم استحقاقنا ونجاستنا.
الآيات (6،
7) فطار إلي واحد من السرافيم و بيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح. و مس بها
فمي و قال إن هذه قد مست شفتيك فانتزع إثمك و كفر عن خطيتك.
الجمرة = هي جسد
الرب ودمه لأنها مأخوذة من علي المذبح هذا ما جاء في القداس الكيرلسي. والجمرة هي
إتحاد اللاهوت بالناسوت وهي تقدس وتطهر ولا تحرق كنار العليقة. وتضرم نار الحب
وتطلق اللسان بكلام الحق وكلام التسبيح. طبعاً إشعياء لم يتناول من جسد السيد
المسيح ودمه فهذا السر كان لم يتأسس بعد ولكن ما حدث كان رمزاً لما سوف
يحدث.
آية (8) ثم
سمعت صوت السيد قائلا من أرسل و من يذهب من اجلنا فقلت هاأنذا
أرسلني.
من
أجلنا = الجمع إشارة للثالوث والمتكلم واحد من أرسل.
هاأنذا
أرسلني = هنا نري استعداد النبي للخدمة بعد تطهيره، فهو إشتاق لطهارة شعبه
أيضاً. وكان لابد لحصوله علي قوة قبل بدآية خدمته، نالها من هذه الجمرة وهكذا قال
السيد "لا تبرحوا أورشليم قبل أن تلبسوا قوة من الأعالي".
آية (9)
فقال اذهب و قل لهذا الشعب اسمعوا سمعا و لا تفهموا و أبصروا إبصارا و لا
تعرفوا.
هذه الآية
معناها "لو إنسان معاند وعملنا معه كل الممكن وظل علي عناده نقول له أذهب أصنع
ماتريد". ولاحظ قول الله هذا الشعب ولم يقل شعبي، وهذا علامة غضب الله علي
الشعب.
خدمة وكرازة
إشعياء ستجعلهم ينضجون للخراب لأنهم سيرفضون كلامه فمن يغلق عينيه بإرادته عن كلام
الله ولا يستمع للتحذيرات تغلق عينيه وأذنيه أكثر وأكثر. فمن يريد أن يري ويفهم
سيري ويفهم، ومن لا يريد لن يري ولن يفهم، ومن لا يريد ويترك الله يزداد
إظلاما.
وهذا ما حدث
أيام المسيح فالتلاميذ أرادوا أن يفهموا ويعرفوا فرأوا وفهموا فآمنوا وقال لهم
السيد المسيح طوبي لعيونكم لأنها تبصر ولأذانكم لأنها تسمع (مت 13 : 11-16) وأما من
رفض لأغراض شخصيه سمع ولم يدرك ورأي ولم يبصر.
آيات (11 ،
12) غلظ هذا الشعب و ثقل أذنيه و اطمس عينيه لئلا يبصر بعينيه و يسمع بأذنيه و يفهم
بقلبه و يرجع فيشفى. فقلت إلى متى آيةا السيد فقال إلى أن تصير المدن خربة بلا ساكن
و البيوت بلا إنسان و تخرب الأرض و تقفر. و يبعد الرب الإنسان و يكثر الخراب في وسط
الأرض.
الخراب بدأ
في عصر إشعياء بالأشوريين ثم علي يد بابل ثم علي يد اليونان وكان الخراب النهائي
علي يد تيطس القائد الروماني.
آية (13) و
إن بقي فيها عشر بعد فيعود و يصير للخراب و لكن كالبطمة و البلوطة التي و إن قطعت
فلها ساق يكون ساقه زرعا مقدسا.
عشر = بقية
زهيدة. وإذا بقي هذا العشر بلا خراب يعود ويصير للخراب ولكن دائماً هناك جذع للشجرة
بدليل
أنهم باقون
للآن ومعني زرعاً مقدساً أنهم سيؤمنون في نهآية الأيام (رؤ 11 : 25،
26).
0 التعليقات:
إرسال تعليق